منذُ تأسيسِها في العام (1987) دَأَبَتْ جامعةُ الأنبار لتكونَ من الجامعاتِ المتقدِّمةِ والمُتَميِّزةِ وصَرْحاً عِلْمياً وحَضَارياً يأخذُ دَوْرَهُ في إعدادِ مِلاكاتٍ عِلْميةٍ مُتخصِّصةٍ من شَأْنِها الإسهامُ في بناءِ نَهْضةِ العراقِ الحديثةِ وتَطْويرِها وإعداد جيلٍ واعدٍ يَتَمتَّعُ بفُرَصِ عَيْشٍ كريمٍ آمنٍ.
وتتطلعُ الجامعةُ لتكونَ في المراكزِ المتقدِّمةِ بين الجامعات؛ ليس على الصَّعيدِ المَحَلِّي فحَسْب، بل على الصَّعيدِ الإقليميِّ والعالَميِّ. وقد تتابعتْ قياداتُ الجامعةِ على تحقيقِ هذا الهَدَفِ، وإنْ تَنَوَّعتْ تَوَجُّهاتُهم وتباينتْ رُؤَاهم، إلا أنَّ الجميعَ تتكاملُ جهودُهم وتَتَّحِدُ مَقَاصِدُهُمْ نَحْوَ تحقيقِ التميُّزِ والوصولِ إلى العالَميَّةِ.
لقد بَدَأَتِ الجامعةُ عندما أُسِّسَتْ بكُلِّيتَيْنِ، ثم ما لَبِثَتْ أنْ نَمَتْ وتطوَّرتْ حتى صارتْ تَضُمُّ ثمانيةَ عَشْرةَ كُلِّيةً تُغَطِّي مُخْتَلَفَ التَّخَصُّصاتِ العِلْميةِ والإنسانيةِ، هذا زيادةً على مَرْكَزَيْنِ خَدَمِيَّيْنِ وأربعةِ مَرَاكزَ بَحْثيةٍ.
وعلى الرُّغْم من الخَرَاب والدَّمَار الذي طالَ جميعَ مرافقِ الجامعةِ وبُنَاها التَّحْتيةِ إبَّان سَيْطرةِ عصاباتِ داعش الإرهابية، إلا أنَّ عَجَلةَ العَطَاءِ العِلْميِّ للجامعةِ لم تتوقَّفْ، فما زالت تَحُثُّ الخُطَى نَحْوَ التقدُّمِ حتى تربَّعَتْ في المَرَاكزِ المتقدِّمةِ بين شقيقاتِها من الجامعاتِ العراقيةِ، وحقَّقتِ الجامعةُ نجاحاً باهراً في الدُّخول في الكثير من التَّصْنيفاتِ، وهي الآنَ بصَدَدِ الدُّخول في التَّصْنيفاتِ العالَميةِ المَشْهورةِ مثل تصنيف (QS).
ومُنْذُ أنْ كُلِّفْنا بمَهَامِّ رئيسِ الجامعةِ بَذَلْنا جُهْدَنا لإكمالِ مسيرةِ مَنْ سَبَقَنا مع حِرْصِنا على تَطْويرِ خُطَطِ الجامعةِ وتَجْديدِ مَسِيرَتِها، وعَمِلْنا على اتِّجاهاتٍ متنوِّعةٍ وبمُسْتوَياتٍ مُتَعدِّدةٍ، فعَمِلْنا باتِّجاهِ تَحْسينِ العَمَليةِ التَّعْليميةِ بأركانِها الثلاثةِ (التَّدْريسي، والطَّالب، والمَنْهَج)، فاسْتَحْدَثْنا بَرَامِجَ تَدْريبيةً تَطْويريةً لتَدْريسيِّي الجامعةِ وتمَّ إقرارُ حَقَائبَ تَدْريبيةٍ؛ بعضُها خاصٌّ بحَمَلة لَقَبِ مدرِّس مساعد، وبعضُها الآخرُ لحَمَلةِ لَقَبِ مدرِّس، وبعضُها لحَمَلةِ لَقَب أستاذ مساعد. أما الطالب فكانتْ عنايتُـنا به كبيرةً، واهتمامُنا به عظيماً؛ لأنَّهُ ثَمَرةُ عَمَلِ الجامعةِ وحُسْنِ أدائها، فعَمِلْنا جاهدينَ لتَحْسينِ مُسْتواه وتطويرِ قُدُراتِهِ، وبالفعل تمَّ إيفادُ مجموعةٍ من طَلَبةِ الجامعةِ إلى بعض الجامعاتِ الإقليميةِ والعالميةِ الرَّصينةِ، لتوسيعِ قُدُراتِهِمُ المَعْرفيةِ ولإكسابِهِمْ خِبْرةً عَمَليةً وتَحْقيقِ استفادتِهِمْ من الخبرات من خارج العراق. أما المناهجُ الدِّراسيةُ فقد حَرَصْنا على تَوْجيهِ الكُلِّياتِ وأقسامِها العِلْميةِ بإعادةِ النَّظَرِ بشَكْلٍ دَوْريٍّ في المناهجِ الدِّراسيةِ والعَمَلِ على تَطْويرِها لتواكبَ تطوُّرَ العُلُومِ، وتتناسَبَ مع حاجاتِ المجتمعِ المُسْتَجَدَّةِ، وكان لتدريسيي الجامعةِ حضورٌ فاعلٌ في اللِّجانِ الوزاريةِ التي تمَّ تَشْكيلُها للنَّظَرِ في المَنَاهجِ الدِّراسيةِ في الجامعاتِ العراقيةِ بمُخْتلَفِ التَّخَصُّصاتِ.
كما عَمِلْنا باتِّجاهِ إعادةِ تأهيلِ البُنَى التَّحْتيةِ للجامعةِ وتَطْويرِها، فأطلقْنا مَشْروعَ (جامعة الأنبار: واحة خضراء) لتكونَ الجامعةُ بيئةً عِلْميةً صِحِّيةً جاذبةً، وكذلك تَوَجَّهتْ عِنَايتُنا نَحْوَ المُخْتبراتِ العِلْميةِ والبَحْثيةِ، وخَصَّصْنا نِسْبةً كبيرةً من ميزانيةِ الجامعةِ لذلك ولشراءِ الأجهزةِ العِلْمية المُهَمَّةِ، وغير ذلك. واليومَ مَنْ يَزُورُ الجامعةَ يَجِدُ آثارَ تلك الجُهُودِ ظاهرةً، والإنجازاتِ بارزةً، بحَمْدِ اللهِ تعالى.
ولابُدَّ من الإشارةِ إلى أن العَمَلَ في الجامعةِ على جميعِ المُسْتوياتِ والاتِّجاهاتِ يَسِيرُ على وَفْقِ خُطَّةٍ استراتيجيةٍ تمَّ رَسْمُها بدِقَّةٍ وعنايةٍ بَعْدَ جُهُودٍ مُضْنِيةٍ، وأقرَّها مجلسُ الجامعةِ، وهي خُطَّةٌ تَتَّسِمُ بالواقعيةِ، أي: إنها خُطَّةٌ تتناسبُ مع الإمكاناتِ المتوفِّرةِ قابلةٌ للتَّطْبيقِ، كما إنها خُطَّةٌ تَتَّسِمُ بالمُرُونةِ، أي: إنها خُطَّةٌ تَتَماشَى مع المُسْتَجَدَّاتِ وتتفاعلُ مع تغيُّرِ الظُّروفِ، لذلك فإنها قابلةٌ للتَّحْديثِ والتَّطْويرِ، وهذا ما حَصَلَ في أكثرَ من مناسبةٍ. وعليه فإن سَيْرَ الجامعةِ وتقدُّمَها إنما يكون على وَفْقِ خُطًى مُنْتقاةٍ بعنايةٍ وبَعْدَ دراسةٍ مُعَمَّقةٍ.
ومع كلِّ ما تمَّ تَحْقيقُهُ من إنجازاتٍ فإنَّنا نَطْمَحُ نَحْوَ المَزِيدِ ونَأْمَلُ في مَزِيدٍ من الإنجازاتِ، وهذا لن يَتِمَّ إلا بتظافُرِ الجُهُودِ وتكامُلِ الإمكاناتِ بَعْدَ عَوْنِ الله سبحانه وتَوْفيقِهِ.
وختاماً أقول: إن جامعةَ الأنبار جامعةُ كلِّ العراقيين، وإن ما تحققُّهُ الجامعةُ من إنجازاتٍ إنما هي إنجازاتٌ لجميعِ العراقيينَ، فالجامعةُ حَرَمٌ عراقيٌّ، ترتفعُ عن كُلِّ انتماءٍ عِرْقيٍّ أو طائفيٍّ أو حِزْبيٍّ ضَيِّقٍ، وهي تضمُّ في رحابِها تدريسيينَ ومُوَظَّفينَ وطَلَبةً من جميع القَوْمِيَّاتِ والطَّوائفِ، يَجْمَعُهُمُ الانتماءُ الصادقُ إلى العراقِ والرَّغْبةُ الخالصةُ في العِلْمِ والتقدُّمِ والتطوُّرِ.
أ.د. مشتاق طالب الندا
رئيـــــــــس جامعــــة الانبـــــار